فصل: (المرسلات: الآيات 29- 37)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[المرسلات: الآيات 25- 28]

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}.
الكفات: من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه: وهو اسم ما يكفت، كقولهم: الضمام والجماع لما يضم ويجمع، يقال: هذا الباب جماع الأبواب، وبه انتصب {أَحْياءً وَأَمْواتاً} كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتا. أو بفعل مضمر يدل عليه وهو تكفت. والمعنى: تكفت أحياء على ظهرها، وأمواتا في بطنها. وقد استدل بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على قطع النباش بأنّ الله تعالى جعل الأرض كفاتا للأموات، فكان بطنها حرزا لهم، فالنباش سارق من الحرز.
فإن قلت: لم قيل أحياء وأمواتا على التنكير، وهي كفات الأحياء والأموات جميعا؟ قلت: هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون وأمواتا لا يحصرون، على أنّ أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء والأموات. ويجوز أن يكون المعنى: تكفتكم أحياء وأمواتا، فينتصبا على الحال من الضمير، لأنه قد علم أنها كفات الإنس. فإن قلت: فالتنكير في {رَواسِيَ شامِخاتٍ} و{ماءً فُراتاً}؟ قلت: يحتمل إفادة التبعيض، لأنّ في السماء جبالا قال الله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ} وفيها ماء فرات أيضا، بل هي معدنه ومصبه، وأن يكون للتفخيم.

.[المرسلات: الآيات 29- 37]

{انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ به تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)}.
أى يقال لهم: {انطلقوا} إلى ما كذبتم به من العذاب، و{انطلقوا} الثاني تكرير. وقرئ: {انطلقوا} على لفظ الماضي إخبارا بعد الأمر عن عملهم بموجبه، لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعا منه {إِلى ظِلٍ} يعنى دخان جهنم، كقوله: {وظل من يحموم} {ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} بتشعب لعظمه ثلاث شعب، وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل: يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش {لا ظَلِيلٍ} تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين {وَلا يُغْنِي} في محل الجر، أى: وغير مغن عنهم من حرّ اللهب شيئا {بِشَرَرٍ} وقرئ: بشرار {كَالْقَصْرِ} أى كل شررة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصرة، نحو: جمرة وجمر. وقرئ: {كالقصر}، بفتحتين: وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل، نحو شجرة وشجر. وقرأ ابن مسعود: {كالقصر} بمعنى القصور، كرهن ورهن. وقرأ سعيد ابن جبير: {كالقصر} في جمع قصرة، كحاجة وحوج {جِمالَتٌ} جمع جمال. أو جمالة جمع جمل، شبهت بالقصور، ثم بالجمال لبيان التشبيه. ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل.
وقرئ: {جمالات}، بالضم: وهي قلوس الجسور. وقيل: قلوس سفن البحر، الواحدة جمالة.
وقرئ: {جمالة}، بالكسر، بمعنى: جمال: و{جمالة} بالضم: وهي القلس. وقيل {صُفْرٌ} لإرادة الجنس. وقيل {صُفْرٌ}: سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي:
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم ** بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى

وقال أبو العلاء:
حمراء ساطعة الذّوائب في الدّجى ** ترمى بكلّ شرارة كطراف

فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه: أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله (حمراء) توطئة لها ومناداة عليها، وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمى: جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا، {كأنه جمالات صفر}، فإنه بمنزلة قوله: كبيت أحمر، وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين: من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء. وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس: تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.
قرئ بنصب اليوم، ونصبه الأعمش، أى: هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت: ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت، ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا ينفع ولا يسمع {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على {يُؤْذَنُ} منخرط في سلك النفي. والمعنى: ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن. ولو نصب لكان مسببا عنه لا محالة.

.[المرسلات: الآيات 38- 45]

{هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)}.
{جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} كلام موضح لقوله: {هذا يَوْمُ الْفَصْلِ} لأنه إذا كان يوم الفصل بين السعداء والأشقياء وبين الأنبياء وأممهم. فلابد من جمع الأولين والآخرين، حتى يقع ذلك الفصل بينهم {فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة {كُلُوا وَاشْرَبُوا} في موضع الحال من ضمير المتقين، في الظرف الذي هو في ظلال، أى: هم مستقرّون في ظلال، مقولا لهم ذلك.

.[المرسلات: الآيات 46- 50]

{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}.
{وكُلُوا وَتَمَتَّعُوا} حال من المكذبين، أى الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا فإن قلت: كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت: يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم، وكانوا من أهله تذكيرا بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد. وفي طريقته قوله:
إخوتى لا تبعدوا أبدا ** وبلى والله قد بعدوا

يريد: كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بذلك، وعلل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قلائل، ثم البقاء في الهلاك أبدا. ويجوز أن يكون {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا {ارْكَعُوا} اخشعوا للّه وتواضعوا له بقبول وحيه واتباع دينه. واطرحوا هذا الاستكبار والنخوة، لا يخشعون ولا يقبلون ذلك، ويصرون على استكبارهم. وقيل: ما كان على العرب أشدّ من الركوع والسجود: وقيل: نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقالوا: لا نجبي فإنها مسبة علينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود» {بَعْدَهُ} بعد القرآن، يعنى أنّ القرآن من بين الكتب المنزلة آية مبصرة ومعجزة باهرة، فحين لم يؤمنوا به فبأى كتاب بعده {يُؤْمِنُونَ} وقرئ: {تؤمنون}، بالتاء.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة والمرسلات كتب له أنه ليس من المشركين». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: الملائكة ترسل بالمعروف، قاله أبو هريرة وابن مسعود.
الثاني: أنهم الرسل يرسلون بما يُعرفون به من المعجزات، وهذا قول أبي صالح.
الثالث: أنها الرياح ترسل بما عرفها الله تعالى.
ويحتمل رابعاً: أنها السحب لما فيها من نعمة ونقمة عارفة بما أرسلت فيه، ومن أرسلت إليه.
ويحتمل خامساً: أنها الزواجر والمواعظ.
وفي قوله: {عُرْفاً} على هذا التأويل ثلاثة أوجه:
أحدها: متتابعات كعُرف الفرس، قاله ابن مسعود.
الثاني: جاريات، قاله الحسن يعني القلوب.
الثالث: معروفات في العقول.
{فالعاصِفاتِ عَصْفاً} فيه قولان:
أحدهما: أنها الرياح العواصف، قاله ابن مسعود.
الثاني: الملائكة، قاله مسلم بن صبيح.
ويحتمل قولاً ثالثاً: أنها الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف.
وفي قوله: {عصفاً} وجهان:
أحدهما: ما تذروه في جريها.
الثاني: ما تهلكه بشدتها.
{والنَّاشِراتِ نَشْراً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أنها الرياح تنشر السحاب، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنها الملائكة تنشر الكتب، قاله أبو صالح أيضاً.
الثالث: أنه المطر ينشر النبات، قاله ابو صالح أيضاً.
الرابع: أنه البعث للقيامة تُنشر فيه الأرواح، قاله الربيع.
الخامس: أنها الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد، قاله الضحاك.
{فالفارِقات فَرقاً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل، قاله ابن عباس.
الثاني: الرسل الذين يفرقون بين الحلال والحرام، قاله أبو صالح.
الثالث: أنها الرياح، قاله مجاهد.
الرابع: القرآن.
وفي تأويل قوله: {فَرْقاً} على هذا القول وجهان:
أحدهما: فرقه آية آية، قاله الربيع.
الثاني: فرق فيه بين الحق والباطل، قاله قتادة.
{فالمُلْقِياتِ ذِكْراً} فيه قولان:
أحدهما: الملائكة تلقي ما حملت من الوحي والقرآن إلى من أرسلت إليه من الأنبياء، قاله الكلبي.
الثاني: الرسل يلقون على أممهم ما أنزل إليهم، قاله قطرب.
ويحتمل ثالثاً: أنها النفوس تلقي في الأجساد ما تريد من الأعمال.
{عُذْراً أو نُذْراً} يعني عذراً من الله إلى عباده، ونُذْراً إليهم من عذابه.
ويحتمل ثانياً: عذراً من الله بالتمكن، ونذراً بالتحذير.
وفي ما جعله عذراً أو نذراً ثلاثة أقاويل:
أحدها: الملائكة، قاله ابن عباس.
الثاني: الرسل، قاله أبو صالح.
الثالث: القرآن، قاله السدي.
{إنما تُوعَدُونَ لَواقعٌ} هذا جواب ما تقدم من القسم، لأن في أول السورة قسم، أقسم الله تعالى إنما توعدون على لسان الرسول من القرآن في أن البعث والجزاء واقع بكم ونازل عليكم.
ثم بيّن وقت وقوعه فقال: {فإذا النجومُ طُمِسَتْ} أي ذهب ضوؤها ومحي نورها كطمس الكتاب.
{وإذا السماءُ فُرِجَتْ} أي فتحت وشققت.
{وإذا الجبالُ نُسِفَتْ} أي ذهبت، وقال الكلبي: سويت بالأرض.
{وإذا الرّسُلُ أُقِّتَتْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني أُودت، قاله إبراهيم.
الثاني: أُجلت، قاله مجاهد.
الثالث: جمعت، قاله ابن عباس.
وقرأ أبو عمرو {وقتت} ومعناها عرفت ثوابها في ذلك اليوم، وتحتمل هذه القراءة وجهاً آخر أنها دعيت للشهادة على أممها.
{ألم نُهلِكِ الأوَّلينِ} يعني من العصاة، وفيمن أريد بهم وجهان:
أحدهما: قوم نوح عليه السلام لعموم هلاكهم بالطوفان لأن هلاكهم أشهر وأعم.
الثاني: أنه قوم كل نبي استؤصلوا، لأنه في خصوص الأمم أندر.
{ثُمّ نُتْبِعُهُم الآخِرينَ} يعني في هلاكهم بالمعصية كالأولين، إما بالسيف وإما بالهلاك.
{كذلك نَفْعَلُ بالمْجرمين} يحتمل وجهين:
أحدهمأ: أنه تهويل لهلاكهم في الدنيا اعتباراً.
الثاني: أنه إخبار بعذابهم في الآخرة استحقاقاً.
{أَلمْ نَخْلُقْكُم مِنْ ماءٍ مَهينٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من صفوة الماء، قاله ابن عباس.
الثاني: من ماء ضعيف، قاله مجاهد وقتادة.
الثالث: من مني سائل، قاله ابن كامل.
{فَجَعَلْناه في قرار مَكينٍ} فيه وجهان:
أحدهما: قاله وهب بن منبه في رحم أُمّه لا يؤذيه حَرّ ولا برد.
الثاني: مكين حريز لا يعود فيخرج ولا يبث في الجسد فيدوم، قاله الكلبي.
{إلى قَدَرٍ مَعْلُومٍِ} إلى يوم ولادته.
{فقدرنا فنِعْم القادرون} في قراءة نافع مشددة، وقرأ الباقون مخففة، فمن قرأ بالتخفيف فتأويلها: فملكنا فنعم المالكون. ومن قرأ بالتشديد فتأويلها:
فقضينا فنعم القاضون، وقال الفراء: هما لغتان ومعناهما واحد.
{ألمْ نجْعَلِ الأرضَ كِفاتاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني كِنّاً، قاله ابن عباس.
الثاني: غطاء، قاله مجاهد.
الثالث: مجمعاً، قاله المفضل.
الرابع: وعاء قال الصمصامة بن الطرماح:
فأنت اليومَ فوق الأرض حيٌّ ** وأنت غداً تَضُمُّكَ من كِفات.

{أحْياءً وأَمْواتاً} فيه وجهان:
أحدهما: أن الأرض تجمع الناس أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها، قاله قتادة والشعبي.
الثاني: أن من الأرض أحياء بالعمارة والنبات، وأمواتاً بالجدب والجفاف، وهو أحد قولي مجاهد.
{انْطَلِقوا إلى ظِلٍّ ذي ثلاثِ شُعَبٍ} قيل إن الشعبة تكون فوقه، والشعبة عن يمينه، والشعبة عن شماله، فتحيط به، قاله مجاهد.
الثاني: أن الشعب الثلاث الضريع والزقوم والغسلين، قاله الضحاك.
ويحتمل ثالثاً: أن الثلاث الشعب: اللهب والشرر والدخان، لأنه ثلاثة أحوال هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت.
{لا ظَليلٍ} في دفع الأذى عنه.
{ولا يُغْني مِن اللهب} واللهب ما يعلو عن النار إذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر.
{إنها تَرْمي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ} والشرر ما تطاير من قطع النار، وفي قوله: {كالقصر} خمسة أوجه.
أحدها: أنه أصول الشجر العظام، قاله الضحاك.
الثاني: كالجبل، قاله مقاتل.
الثالث: القصر من البناء وهو واحد القصور، قاله ابن مسعود.
الرابع: أنها خشبة كان أهل الجاهلية يقصدونها، نحو ثلاثة أذرع، يسمونها القصر، قاله ابن عباس.
الخامس: أنها أعناق الدواب، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً سادساً: أن يكون ذلك وصفاً من صفات التعظيم، كنى عنه باسم القصر، لما في النفوس من استعظامه، وإن لم يُردْ به مسمى بعينه.
{كأنّه جِمالةٌ صُفْرٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني جِمالاً صُفراً وأراد بالصفر السود، سميت صفراً لأن سوادها يضرب إلى الصفرة، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة، قال الشاعر:
تلك خَيْلي منه وتلك رِكابي ** هُنّ صُفْرٌ أولادُها كالزبيبِ

الثاني: أنها قلوس السفن، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثالث: أنها قطع النحاس، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وفي تسميتها بالجمالات الصفر وجهان:
أحدهما: لسرعة سيرها.
الثاني: لمتابعة بعضها لبعض.
{فإنْ كانَ لكم كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فيه وجهان:
أحدهما: إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم، قاله مقاتل.
الثاني: إن استطعتم أن تمتنعوا عني فامتنعوا، وهو معنى قول الكلبي.
{وإذا قِيلَ لهم ارْكَعوا لا يَرْكَعون} أي صلّوا لا يصلّون، قال مقاتل.
نزلت في ثقيف امتنعوا عن الصلاة فنزل ذلك فيهم، وقيل إنه قال ذلك لأهل الآخرة تقريعاً لهم.
{فبأيِّ حديث بَعْدَه يُؤْمنُون} أي فبأي كتاب بعد القرآن يصدّقون. اهـ.